في عصور ما قبل التاريخ، اعتقد كثير من الناس، كما جاء في الأساطير، أن غضب الآلهة أو الأرواح الشريرة يُسبب المرض. ولكي يشفى المريض ينبغي إشباع رغبة الآلهة، أو طرد الأرواح الشريرة من الجسم. وفي أحد العصور، أصبحت هذه المهمة واجب الكهنة الأولين الذين يعالجون المرض بالسحر.
كانت العملية الجراحية التي أُطلق عليها اسم نشر الجمجمة أول علاج جراحي معروف. وتتضمن هذه العملية استعمال أداة حجرية لتثقيب جمجمة المريض. واكتشف العلماء أحافير من تلك الجماجم يرجع تاريخها إلى عشرة آلاف سنة. ومن المحتمل أن البدائيين، كانوا يقومون بإجراء هذه العملية، لإطلاق الأرواح التي كانوا يعتقدون أنها مسؤولة عن الصداع والأمراض العقلية والصّرع. ومع ذلك، فإن عملية نشر الجمجمة كانت تسبب الراحة في بعض الحالات. ومازال هناك جرّاحون يمارسون هذه العملية لعلاج نوعيات محددة من إصابات الضغط على الدماغ.
من المحتمل أن يكون الناس فيما قبل التاريخ، قد اكتشفوا نباتات كثيرة يمكن استعمالها كأدوية، وعلى سبيل المثال، فإن استعمال قلف الصفصاف في تخفيف الألم، قد يرجع تاريخه إلى آلاف السنين. ويعلم الأطباء في الوقت الحاضر أن قلف الصفصاف يحتوي على مادة الساليسين وهي مادة تنتمي إلى مجموعة الساليسيلات، التي تُستخدم في صنع الأسبرين.
أصول في الشرق الأوسط. منذ حوالي عام 3000ق.م شرع المصريون القدماء، الذين شيدوا واحدة من الحضارات الأولى العظيمة في العالم، في تحقيق تقدم طبي هام. وكان المصري إيمحوتب الذي عاش منذ حوالي 2650ق.م، أول طبيب يُعرف بالاسم على مستوى العالم. وقد عبده المصريون كما جاء في الأساطير بعد ذلك كإله للشفاء اعتقادًا منهم أنه يشفي المرضى. انظر: إيمحوتب.
بدأ الأطباء المصريون منذ عام²500ق.م في التخصص، حيث عالج بعضهم أمراض العيون أو الأسنان فقط، بينما تخصص آخرون في الأمراض الباطنة. وأصدر الجراحون المصريون أول كتاب يبين كيفية علاج العظام المخلوعة أو المكسورة والخراجات السطحية والأورام والقروح والجروح.
ساهمت حضارات قديمة أخرى في منطقة الشرق الأوسط في التقدم الطبي. فقد ساهم علماؤها مثلاً، في إحراز تقدم في الطب الوقائي منذ حوالي القرن الثالث عشر إلى القرن السابع قبل الميلاد، حيث فرضوا عزلاً تامًا للمرضى المصابين بالسيلان والجذام والأمراض المعدية الأخرى، كما منعوا تلوث مياه الآبار العامة وأكل الخنزير والأطعمة الأخرى، التي تحمل المرض.
الصين والهند. طور قدماء الصينيين بعض الممارسات الطبية، انتقلت إلى وقتنا الحاضر بدون تغيير في الغالب. ولقد بني الطب التقليدي على الاعتقاد بأن للحياة قوتين، هما: ين ويانج تجريان داخل جسم الإنسان، وينشأ المرض حينما يحدث اختلال في توازن هاتين القوتين. ولاسترداد التوازن، ابتكر الصينيون ممارسة الوخز بالإبر، وذلك بوخز إبر في أجزاء من الجسم يُعتقد أنها تسيطر على جريان ين ويانج، وما زال الصينيون يمارسون طريقة الوخز بالإبر حتى الآن. ولقد اكتسبت هذه الطريقة شيئًا من الشعبية في الدول الغربية، حيث تُستخدم أحيانًا في علاج بعض الأمراض. انظر: الوخز بالإبر.
وفي الهند القديمة، أصبح نظام من نظم الممارسة الطبية، يطلق عليه اسم أيورفدا، نظامًا معروفًا، وهو يؤكد على الوقاية من المرض وعلاجه. خلال القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، أظهر الممارسون لطريقة أيورفدا معرفة مثيرة للإعجاب عن الأدوية والجراحة، ولقد أجرى الجراحون الهنود بنجاح أنواعًا كثيرة من العمليات، منها عمليات البتر وجراحة التجميل.
اليونان وروما. بلغت حضارة قدماء اليونانيين ذروتها خلال القرن الخامس قبل الميلاد، وخلال هذه الحقبة من الزمن، احتشد المرضى في المعابد مكرسين أنفسهم لإله الشفاء اليوناني أسكليبيوس ـ كما يزعمون ـ باحثين عن علاجات سحرية. بيد أنه في الوقت ذاته بدأ الطبيب اليوناني الشهير أبقراط يوضح أن للمرض أسبابًا طبيعية فقط، ولذلك فإن هذا الطبيب أصبح أول طبيب عرف بأنه اعتبر الطب علمًا وفنًا منفصلا عن الممارسة الدينية. ويعكس قسَم أبقراط، وهو تعبير عن الأخلاقيات الطبية القديمة، المثاليات السامية لأبقراط، ولكن يحتمل أن يكون هذا القسم قد تألف من عدة مصادر غير أبقراط نفسه. وتبنى الأخلاقيات الطبية الحديثة على أساس قسم أبقراط لمعرفة نص القسم.
خلال القرن الرابع قبل الميلاد، هزمت مدينة روما شيئا فشيئا معظم العالم المتحضر بما فيه مصر واليونان، واكتسب معظم الرومانيين معرفتهم الطبية من مصر واليونان، وكانت إنجازاتهم الطبية في مجال الصحة العامة إلى حد كبير. بنى الرومان قنوات مائية تحمل 1,1 بليون لتر من الماء العذب إلى روما يوميًّا، وشيّدوا أيـضًا جـهازًا ممتازًا للصرف الصحي في روما.
قدم الطبيب اليوناني جالينوس الذي مارس الطب في روما إبان القرن الثاني الميلادي أهم الإسهامات في الطب في العصر الروماني، وأجرى تجارب على الحيوانات، واستخدم مشاهداته في إبراز أولى النظريات الطبية المؤسسة على التجارب العلمية، ويعتبر من أجل هذا السبب مؤسس الطب التجريبي. إلا أنه نظرًا لأن معلوماته في التشريح كانت معتمدة أساسًا على تجارب الحيوانات، فلقد أبدى كثيرًا من الملاحظات الخاطئة فيما يتعلق بكيفية عمل جسم الإنسان. وكتب جالينوس كتبًا عديدة في وصف نظرياته الطبية، ولقد استرشد بهذه النظريات، الأطباء لمئات السنين، رغم أن كثيرًا منها يشوبه الخطأ.
الطب عند العرب. عرف العرب في الجاهلية طريقتين للعلاج هما الكهانة والعرافة ثم ما خبروه من عقاقير نباتية بالإضافة إلى الكي والحجامة والفصد. وكان من أبرز أطباء تلك الحقبة زهير الحميري وزينب طبيبة بني أود والحارث ابن كلدة.
علا شأن الطب العربي إبان الدولة العباسية. فقد برع الأطباء العرب في مجالات طبية عديدة كالطب الجراحي الذي أطلقوا عليه اسم عمل اليد وعلاج الحديد. ومن إسهاماتهم في مجال الجراحة أنهم كانوا أول من تمكن من استخراج حصى المثانة لدى النساء عن طريق المهبل. كما أن الزهراوي (ت427 هـ، 1035م) كان أول من نجح في إجراء عملية فتح القصبة الهوائية.
يعود الفضل إلى العرب في اكتشاف المرقّد (المخدِّر) العام، وهناك من القرائن ما يدل على أنهم كانوا أول من استعمل التخدير عن طريق الاستنشاق باستخدام الإسفنج المخدر، كما طوروا طب العيون الذي عرف لديهم باسم الكحالة، وقد برعوا في قدح الماء الأزرق من العين وكذلك أجروا عمليات أخرى لقدح الماء الأبيض (الساد). وتناول الأطباء العرب والمسلمون أمراض النساء والولادة، وضمّن ابن سينا الجزء الثالث من القانون الحادي والعشرين في كتابه القانون في الطب كلامًا مفصلاً عن أمراض النساء والولادة. ويسجل لابن الهيثم سبقه في إشارته إلى استخدام الموسيقى والإيحاء في العلاج النفسي. كما كان للعرب الفضل في فصل الصيدلة عن الطب كعلم قائم بذاته.
أما في مجال التشريح، فنجد أن ابن النفيس تمكن من اكتشاف الدورة الدموية الصغرى التي تجري في الرئة، وبذا مهد الطريق لوليم هارفي ليكتشف الدورة الدموية الكبرى، كما انتقد عبداللطيف البغدادي (619هـ، 1222م)، بعد أن فحص أكثر من 2,000 جمجمة، وصف جالينوس للهيكل العظمي. واكتشف الطبري أبو الحسن (ت366هـ، 976م) لقاحًا ضد داء الجرب، وكان الرازي (ت311هـ، 923م) أول من وصف الجدري والحصبة بوضوح، ويعد كتابه الحاوي سجلاً دقيقًا لملاحظاته السريرية على مرضاه. وقد حافظ الأطباء العرب والمسلمون على روح علمية صادقة تؤازرها التجربة والملاحظة فلم يعزوا الأمراض إلى تأثيرات خارجة عن النطاق الطبيعي كما فعل أطباء الحضارات التي سبقتهم الذين رأوا الأمراض عقابًا لآثام بني البشر. وقد شاعت كتابات ابن سينا والرازي وغيرهما في أوروبا خلال ما سمي بالقرون الوسطى في أوروبا وأثرت أعمالهم في التعليم الطبي فيها لأكثر من 600 سنة. لمزيد من التفاصيل انظر: العلوم عند العرب والمسلمين (الطب).
أوروبا العصور الوسطى اجتاحت أوروبا سلسلة من الأمراض الوبائية خلال العصور الوسطى. وبدأ تفشي مرض الجذام في القرن السادس الميلادي وبلغ ذروته خلال القرن الثالث عشر الميلادي. وفي منتصف القرن الرابع عشر الميلادي تسبب تفشي الطاعون المروع، الذي يعرف الآن باسم الموت الأسود في وفاة ما يقرب من ثلث سكان أوروبا. وخلال فترة القرون الوسطى، أصاب الجدري وأمراض أخرى مئات الآلاف من الناس.
كان تأسيس العديد من المستشفيات وإقامة أول مدرسة طبية جامعية أهم الإنجازات الطبية في أوروبا خلال العصور الوسطى، وأسست مجموعات من النصارى مئات المستشفيات الخيرية من أجل ضحايا الجذام. وفي القرن العاشر الميلادي بدأ العمل في مدرسة طبية بساليرنو بإيطاليا، أصبحت المركز الرئيسي للتعليم الطبي في أوروبا. وخلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين أُنشئت مدارس أخرى مهمة في أوروبا. وخلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، أصبح كثير من هذه المدارس جزءًا من جامعات حديثة النشأة، مثل جامعة بولونيا في إيطاليا وجامعة باريس في فرنسا.
النهضة الأوروبية. ظهرت روح علمية جديدة خلال عصر النهضة الأوروبية، وهي الحركة الثقافية الكبرى التي عمت أرجاء أوروبا الغربية من عام 1300م إلى القرن السابع عشر الميلادي تقريبًا. قبل هذه الحقبة الزمنية، حددت معظم المجتمعات ممارسة تشريح الأجسام البشرية من أجل الدراسة العلمية تحديدًا قاطعًا، بيد أن القوانين التي صدرت ضد التشريح قد تراخت خلال عصر النهضة الأوروبية، ونتيجة لذلك، أصبح من الممكن إجراء أول دراسات علمية حقيقية على جسم الإنسان.
خلال أواخر القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلاديين، قام الفنان ليوناردو دافنشي بإجراء تشريحات عديدة لمعرفة المزيد عن تشريح جسم الإنسان، ولقد سجل مشاهداته في سلسلة من الرسوم شملت أكثر من 750 رسمًا، كما قام أندرياس فيزاليوس، وهو طبيب وأستاذ بكلية الطب في جامعة بادُوا بإيطاليا، بإجراء العديد من التشريحات. واستخدم فيزاليوس مشـــاهداته في كتابة أول كتــاب علمي عن علم التشريح البشري سمي حول تركيب الجسم البشري (1543م)، ولقد حل هذا الكتاب محل كتب جالينوس وابن سينا بصورة تدريجية.
أسهم أطباء آخرون إسهامات بارزة في علم الطب في القرن السادس عشر الميلادي، ولقد طور جراح فرنسي عسكري يدعى أمبروا باري في التقنيات الجراحية حتى اعتُبر أبا الطب الحديث. فلقد عارض على سبيل المثال ممارسة كيّ (حرق) الجروح الشائعة بالزيت المغلي لمنع العدوى، واستبدل بها طريقة أقل ضررًا، وذلك بوضع مرهم خفيف، ثم تركه على الجرح كي يلتئم التئامًا طبيعيًا. ولقد ركز فيليبس بارسيلسوس، وهو طبيب سويسري، على أهمية الكيمياء في تحضير الأدوية، واستنتج من كثير من الأدوية التي تحتوي على عدة عناصر أن أحد العناصر قد يبطل فائدة عنصر آخر.
بدايات البحث الحديث. قام الطبيب الإنجليزي وليم هارفي بإجراء عدة تجارب في مطلع القرن السابع عشر الميلادي لمعرفة كيفية سريان الدم في الجسم. ولقد درس العلماء، قبل هارفي ـ أمثال الطبيب المسلم ابن النفيس الذي اكتشف الدورة الصغرى التي تجري في الرئة ويمر الدم خلالها إلى القلب ـ هذا الموضوع. ولكن هارفي درس المشكلة كاملة، حيث أجرى تشريحات على البشر والحيوانات، كما أجرى دراسات دقيقة على نبض الإنسان وضربات قلبه، ولقد استنتج أن القلب يعمل كمضخة تدفع الدم عبر الشرايين إلى كل أجزاء الجسـم. ولقد أوضـح أيضا أن الـدم يرجع إلى القلب عبر الأوردة مثل ما اكتشف ابن النفيس لأول مرة أن الدم يُنقَّى في الرئتين. انظر: العلوم عند العرب والمسلمين (الطب).
وصف هارفي مشاهداته في بحث عن حركة القلب والدم في الحيوانات (1628م)، ويعتبر اكتشافه عن كيفية دوران الدم نقطة تحول في التاريخ الطبي. ولقد تحقق العلماء، بعد هارفي، من أن معرفة كيفية عمل الجسم تعتمد على معرفة تركيب الجسم.
في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، بدأ عالم هولندي هاوٍ يدعى أنطون فان ليفنهوك، استعمال مجهر لدراسة الكائنات غير المرئية بالعين المجردة. ويطلق على هذه الكائنات اليوم اسم الكائنات الحية الدقيقة أو الميكروبات. وفي منتصف سبعينيات القرن السابع عشر الميلادي اكتشف ليفنهوك ميكروبات أطلق عليها فيما بعد اسم بكتيريا. ولم يفهم ليفنهوك دور الميكروبات في الطبيعة، ولكن بحثه مهد الطريق أخيرًا لاكتشاف أن بعض الميكروبات تسبب المرض.
تطور علم المناعة. كان الجدري واحدًا من أكثر الأمراض المثيرة للرعب، كما حمل أعلى نسبة للعدوى، وذلك خلال القرن الثامن عشر الميلادي. فقد أودى بحياة الكثير من الناس كل عام، وألقى الذعر في نفوس الآخرين مدى الحياة. وعرف الأطباء لمئات السنين أنه حينما يشفى شخص من الجدري، فإنه يكتسب مناعة ضده لعمر طويل. كي تُكتسب هذه المناعة، لقح الأطباء الناس أحيانًا بمادة مأخوذة من إصابة الجدري، على أمل أن يصابوا إصابة خفيفة فقط من المرض، بيد أن هذا التلقيح كان خطيرًا، حيث ظهر على بعض الناس إصابات خطيرة بدلا من إصابة خفيفة، كما نشر أشخاص ملقحون آخرون المرض.
في عام 1796م، اكتشف طبيب إنجليزي يدعى إدوارد جنر طريقة آمنة لتلقيح الناس ضد المرض، حيث لقح صبيًا صغيرًا بشيء من إصابة جدري البقر، ولقد أصيب الصبي بجدري البقر، الذي يُعتبر أقل خطرًا نسبيًا من الجدري، الذي يصيب الإنسان ولكن حينما لقح جنر الصبي بعد ذلك بشيء من إصابة الجدري، فإنه لم يعتل بالمرض، حيث ساعد جدري البقر الذي حقنه جنر في جسم الصبي، في بناء مناعة ضد الجدري. لقد كانت تجربة جنر التقليدية أول لقاح رسمي مسجل وأول علاج ناجح لتغيير جهاز مناعة الجسم.
ولاتسونا من ال دعاء